بيلاروس – لمسة التاريخ الحي

ظهروا أول أناس فوق الأراضي التي تعتبر اليوم أراضي بيلاروسية منذ حوالي 100 ألف سنة مضت فقد تم اكتشاف مواقع لإنسان العصر الحجري القديم على شواطيء نهري سوج وبريبيات في محافظة غوميل (تعود للألف 26 – 24 قبل التاريخ). تدل التحف الأثرية التي تعود للعصر البرونزي التي عثر عليها علماء الآثار فوق جميع الأراضي البيلاروسية بأن الزراعة وتربية الحيوانات كانت أهم الأعمال التي زاولها السكان المحليون منذ أقدم العصور.

بتنقلكم داخل بيلاروس يمكنكم تكرار الطريق الشهيرة «من الفايكنج الى اليونان» التي كان أول من سلكها هو الرسول أنراوس، لقد خدم هذا الممر المائي المهم كعنصر أساسي في تشكيل الدولة السلافيانية الشرقية التي تعرف بكتب التاريخ اليوم باسم كييف روس، أما أساس الدولة البيلاروسية والمركز الروحي لها فهي بولوتسك التي تعتبر واحدة من أقدم المدن البيلاروسية وهي تعتبر اليوم فعلاً «مكة السياحية».

لقد كانت دوقية ليتوانيا الكبرى التي ظهرت في القرنين الثالث عشر والرابع عشر دولة ضخمة وقفت ضد التهديدات الخارجية وقد أطلق على بيلاروس في القرون الوسطى إسم «بلد القلاع» حيث أقيمت بعد كل 20 – 30 كم مدن محصنة وأماكن يحتمي بها السكان المحليون، وفي نهاية صيف عام 1385 م تم قيام إتحاد كريف وهو تحالف بين الأسر الحاكمة في دوقية ليتوانيا الكبرى وبولندة وبنتيجة هذا التحالف توسعت حدود الدولة على حساب الآراضي الأوكرانية والبيلاروسية والروسية حتى وصلت إلى شواطئ البحر الأسود.

بقيت شروط حلف كريف نافذة لغاية عام 1569 م عندما وقعت كل من ليتوانيا وبولندة إتفاقية حلف ليوبلين الذي وحد الدولتين في الكومنولث البولندي الليتواني (ريتش بوسبوليتايا) وقد أعطى ذلك دفع جديد في تطوير المدن البيلاروسية فخلال عشرة سنوات أصبحت غرودنو المقر الملكي لحاكم ريتش بوسبوليتايا ستيفان باتوريا وقد تم إنشاء قلاع وأديرة جديد في بيلاروس.

في عام 1772 حدث أول إنقسام في ريتش بوسبوليتايا فدخلت بعض الأراضي التي كانت تابعة للكومنولث ضمن أراضي الإمبراطورية الروسية، ثم حدث بعد ذلك إنقسامين آخرين في الأعوام 1793 و1795 م اختفت بنتيجتهم دولة ريتش بوسبوليتايا من الخارطة الجغرافية. وقد وقع ستانيسلاف أفغوست بونياتوفسكي آخر ملك لدولة ريتش بوسبوليتايا محضر التخلي عن التاج الملكي بتاريخ 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 1795 م في القلعة الملكية الجديدة في غرودنو.

مما يجدر الإشارة إليه هو أن نهاية الإمبراطورية الروسية كان لها أيضاً علاقة ببيلاروس، ففي شهر شباط (فبراير) 1917 م أصبحت مدينة موغيلوف المركز الروسي المهم الثالث بعد بيتربورغ وموسكو حيث أصبحت المدينة العاصمة الحربية. كما أنه في هذه المدينة بالتحديد ترك نيكولاي الثاني رسالة الوداع الأخيرة للجيش الروسي وفي 21 آذار (مارس) ركب آخر إمبراطور روسي القطار من محطة موغيلوف حيث تم اعتقاله.

في عام 1941 م كانت بيلاروس أول من تلقى ضربة الفاشيين حيث فقدت خلال الحرب العالمية الثانية كل ثالث من سكانها. وقد اصبحت قلعة بريست رمزاً لشجاعة الشعب البيلاروسي ولهذا اطلق عليها إسم القلعة البطلة، أما خاتين فتحفظ في ذاكرتها بـ 600 قرية بيلاروسية أحرقها النازيون، أما اليوم فقد أصبح مجمع «بوينيتشيسكوي بولي» مركز للتربية الوطنية للشباب فهنا وعلى مدى 23 يوماً قامت جماعات شعبية مسلحة تدعى أوبولتشينتسي بالدفاع عن مدينة موغيلوف وعن «خط ستالين» الذي أصبح جزءً من التحصينات الخاصة بالدفاع عن مينسك. أما المتاحف المكشوفة في كل من فيتيبسك وفي محافظة مينسك فيذكروننا بحياة الفدائيين.

70 عاماً ضمن الإتحاد السوفياتي غيرت بشكل جذري من شكل بيلاروس حيث تحولت من بلد زراعي تابع للإمبراطورية الروسية إلى جمهورية صناعية متقدمة.

ففي أعوام الحقبة السوفياتية ظهرت فوق الأراضي البيلاروسية صناعات ضخمة تلعب حتى يومنا الحاضر دوراً ليس الآخير في إقتصاد العالم مثل: مصنع بيلاروس للسيارات (بيلاز)، مصنع مينسك للسيارات (ماز)، مصنع مينسك للجرارات (م ت ز)، مصنع التعدين البيلاروسي (ب.م.ز)، بوتاسيوم بيلاروس.

وللمرة الثالثة أيضاً لعبت بيلاروس دوراً في مصير الإمبراطورية وهذه المرة الإمبراطورية السوفياتية ففي قرية فيسكولي الصغيرة بتاريخ 8 كانون الأول (ديسمبر) 1991 م وقع رؤساء كل من بيلاروس وروسيا وأوكراينا الإتفاقية المشهورة المتعلقة بحل إتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفياتية.

اليوم وبعد أن حصلت بيلاروس على إستقلالها أخذت موقعها في الخارطة السياسية الدولية فهي تشارك بنشاط في جميع الأحداث الدولية الهامة كاتبة بذلك فصل في كتاب التاريخ الجديد. (انظر بالتفصيل قسم السياسة الخارجية).

بيلاروس: منذ نشأتها وحتى يومنا الحاضر